مختارات
الرئيسية / وجهات نظر / ليلة رحيل الملائكة .. بقلم : جيهان سليمان

ليلة رحيل الملائكة .. بقلم : جيهان سليمان

كان السحاب ينذر بقدوم صوت مختلف .لم تعتاده أذاننا من قبل ..وكانت الذكريات تمر كطيف يتحدي ثبات الأحلام رغم تحرك السحب ..كل شئ كان أبيض جدًا حولي وكأنه يدعو الملائكة للقائنا .كنت أنظر من نافذة الطائرة أمارس هوايتها القديمة حينما كانت تدعونا للوقوف تحت السحب لنتخيل ما ترسمه لنا .. فنرى فوارس وقصور وزهور تشبه عصافير الجنة.. تذكرتها وهي تتخذ من منزلنا المزدحم ركنًا بعيدًا لترسم لوحاتها بالاكوريل .. رن صوتها فجأة في أذني وكأنه يودعني قبل الهبوط إلى الأرض .. تذكرت ملامحها البضة وعيونها التي تشبه الغزلان , وكيف كانت تلتقط صور مع الجميع وتجمع كل العائلة في محافلها وكأنها تعلن رسالتها الأخيرة …

ما زلت أتابع السحاب من علي مقعدي في الطائرة العائدة من البحرين الطيبة حيث كنت أحضر مهرجان الإذاعة والتلفزيون هناك , وسعدت بأن أختي الرائعة ماجدة سليمان تواصلت معي عبر الهاتف مع أصحاب الطرب الأصيل هناك لتسجل معها في برنامجها دوزان مع ماجدة سليمان الذي يذاع كل خميس في المساء .. كانت تؤنسني عبر الهاتف في سفري وكانت تؤنسني في الشوارع الصامتة بصوتها الجميل حينما أهرب من بين ضجيج أولادي إلي سيارتي لأطير في الشوارع مع موعد برنامجها لاترنم مع نغماتها ..حملت بالأمس هديتها من سوق الحيان وها أنا أقترب إلي وطني الحبيب لأتواصل معها وأزورها في المساء مثلما أرادت وهي التي لم تكف مؤخرًضا عن طلب زيارتي لها , ولطالما تحججت بالأولاد رغمًا عني وليتني لم أفارقها لحظ’ ..

بدأت السحب في الأرتفاع والطائرة تدنو من الأرض وليتها ما هبطت .. جاء الأرسال لصًا  ..لتصلني رسالة الموت من أختي عبير .. أنا بموت يا جيجي .. ماجدة ماتت بين أيديا ..  ما الذي يحدث ؟! لماذا ترتطم الطائرة بالسحاب والجبال والكون يهتز وينتفض باكيا ؟! .. لماذا كل الأشياء تصرخ فجأة ؟! .. ولماذا ترحل أختي فجأة دونما أراها ؟!.. يا أيها الموت اللعين لماذا بلا هواده .. تأتي؟! .. لم أصدق .. لم اصدق  !! أن ماجدة صاحبة صوت الكروان ماتت وأنني لن أري أختي مرة ثانية ولن أسمع برنامجها مرة ثانية..

أنفجر العويل ليهز الطائرة وكأنه يسابق الأرض وليبكي الجميع معي .. لن ألحق يا “ميجو” أن القي عليكي نظرة الوداع فالسحاب لم يرحم  ..كنت حبيسة الفضاء وأنتي ترحلين وأخواتي النساء والرجال يبكون .. وأمي تموت من أجلك , لم أكن سأتحمل هذا المشهد المروع .. مسكينة عبير التي تلقتها علي يديها وأعددت لها كفنها ومسكين أخي الكبير الذي بكي كالجبال التي تنهدر , ومسكين أبي الذي تحجرت دموعه من الحزن .. أما أنا فهبطت من الطائرة أترنح من جلال الموت وقسوته .. هربت كل أوتاري إليها وأخذت سيارتي ولا أعلم كيف وصلت لأري أخواتي جميعهم يرتدون سوادًا عظيمًا والقرآن يدور .. ولكن أختي لن تعود بعد الأن إلالم لا نتوهمه والموت أيضًا .. وكل ما فعلته من وضع الصبار والبكاء في مدفنها وجمع صورها القديمة لن يعيدها ولو للحظة ووسط الحزن البارح ترجلت أنا وعبير إلي إحدي قريباتنا التي حزنت حزنًا جمًا علي “ميجو” .. كانت تقطن في سيدنا الحسين كنا نبحث عن ذكرياتنا الأولي وكأننا نبحث عن مسكن للحزن العميق وصورنا ونحن أطفال ..

أستقبلتنا من بصيص وحدتها الحزينة أبله “نورا” .. ما زالت طيبة بشدة تحتفظ بصورنا ونحن أطفال .. كأننا وجدنا كنزًا عتيق,  أمي في شبابها وجمالها , أخواتي وهم أطفال . ماجدة وهي في صباها في السادسة عشر من عمرها .. أمعنا النظر إليها جيدًا , الشعر اللامع والعيون العسلية المليئة بالحياة والفم القرمزي والقد المياس ونظرة البراءة المهيبة..

كم سنوات مرت علي هذه الصورة أيتها الراحلة الجميلة .. نظرت إلينا أبله “نورا “قائلة : هل تدرون لماذا أتيتم إلي وأنتم في شدة حزنكم علي ماجدة ؟! … حتي تروا صورتها الأن .. هي عادت صبية كتلك الصورة حورية في الجنة فجئتم تشاهدون .. ما هو شكلها الأن  ..

[email protected]

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.