مختارات
الرئيسية / وجهات نظر / شريعة يوم السبت عند اليهود .. بقلم : فرنـاس حفظي

شريعة يوم السبت عند اليهود .. بقلم : فرنـاس حفظي

السبت هو العيد الأسبوعي أو يوم الراحة عند اليهود، ويُحرَّم فيه العمل. وبحسب ما يقوله الحاخامات، فإن الإله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع(سبحانك اللهم تباركت وتعاليت عما يصفون). ولذلك، فإنه بارك هذا اليوم وقدَّسه، وحرَّم فيه القيام بأي نشاط. وقد جاء أكثر من نص صريح في توراتهم يفيد هذا المعنى (تكوين 2/1 ـ 3). ويرى آخرون أن تحريم العمل يوم السبت يعود إلى أن الإنسان ند للإله وشريك في عملية الخلق، فالإله عمل ثم استراح(استغفر الذي خلق السماوات والارض ولم يعي بخلقهن)، والإنسان يعمل بدوره في الخلق ثم عليه أن يستريح، وهذا تعبير عن الطبقة الحلولية في التركيب الجيولوجي اليهودي. ويرى فريق ثالث أن تقديس السبت إحياء لذكرى خروج اليهود من مصر وتخليصهم من العبودية. وتؤكد أسفار موسى الخمسة، في غير موضع، ضرورة الحفاظ على شعائر السبت كعهد دائم بين الإله وجماعة يسرائيل. وبذا يصبح السبت إحدى علامات الاصطفاء.

ولم يكن عند اليهود خطيئة تفوق عدم المحافظة على شعائر السبت إلا عبادة الأوثان. ولهذا، فإن عقوبة خَرْق شعائر السبت الإعدام رجماً. ويُحرَّم على اليهودي، يوم السبت، أن يقوم بكل ما من شأنه أن يشغله عن ذكر الإله، مثل العمل وإيقاد النار، وضمن ذلك النار التي تُوقَد للطهو أو التدفئة. وكذلك يُحرَّم السفر، بل المشي مسافة تزيد على نصف ميل، ويُحرَّم كذلك إنفاق النقود أو تسلُّمها، كما تُحرَّم الكتابة. كذلك يرى البعض أن اليهودي المتمسك بتعاليم دينه لا يخرج من بيته يوم السبت، إلا وقد تأكد من أن جيوبه ليس فيها أقلام، أو أوراق أو نقود أو كبريت، إذ يجب ألا يحمل أي شيء سوى التوراة، أو كتاب الصلوات (غير أن جابوتنسكي يشير إلى أحد الحاخامات الذين أحلوا حمل التوراة والسيف معاً في يوم السبت لأنهما أُرسلا معاً من السماء). وفي التلمـود جزء كامل عن الأفعـال المحرم على اليهودي القيام بها يوم السبت.

وتبدأ الاحتفالات بالسبت منذ دخوله قبل غروب شمس يوم الجمعة ببضع دقائق، وتنتهي بخروجه عشية الأحد، فتشعل ربة البيت شمعتين (شموع السبت)، وتضع على المائدة رغيفين لكل وجبة من الوجبات الثلاث. والرغيفان ذكرى للطعام الذي أرسله الإله لجماعة يسرائيل في البرية، ويكونان على شكل جدائل رمزاً لإكليل العروس (إذ أن السبت يُرمز له بالعروس في التراث القبَّالي). كما تُعدُّ ربة البيت الوجبات مقدماً لأن العمل محرَّم في ذلك اليوم. ويُغطَّى الطعام بالمفرش، ثم يأتي الأطفال فيباركهم الأبوان، ثم تمسك ربة البيت بكأس الخمر وتقرأ دعاء مقدم السبت (قيدوش) ثم تبارك التوابل أضواء الشموع. وتُختتَم الاحتفالات بقراءة دعاء انتهاء السبت (هافدالاه).

وقد تحوَّل الاحتفال بالسبت في التراث القبَّالي إلى أهم الاحتفالات وأكثرها دلالة ورمزية إذ اعتبروه شكلاً من أشكال الزواج المقدَّس بين الملك/العريس/الشمس/الإله/التفئيريت من جهة والملكة/العروسة/القمر/الملكوت (أي الشخيناه أو كنيست يسرائيل) من جهة أخرى. ويُعَدُّ يوم السبت يوم القبَّالاه بالدرجة الأولى. وقد كان الاحتفال بمقدمه يشبه الزفاف، وكانت ليلة السبت الليلة التي يعاشر الإله فيها «بستان التفاح المقدَّس» لينجب أرواح الصالحين (أي اليهود). وكان القبَّاليون في صفد يخرجون ظهيرة يوم الجمعة بملابسهم البيضاء إلى حقل يقع خارج المدينة وينتهي إلى بستان «التفاح المقدَّس» انتظاراً للعروس، يغنون بعض المزامير وكذلك نشيد الأنشاد. وعند مساء السبت، يتم إنشاد الإصحاح الحادي والثلاثين من سفر الأمثال وكأنه أنشودة زفاف.

وقد كبَّلت شعائر السبت اليهود أيما تكبيل، وهو ما اضطرهم إلى الانعزال عن الآخرين والتكتل في جماعات طائفية منغلقة. لكن اليهود كانوا يتخطون على الدوام كثيراً من التحريمات من خلال التحلة (التصريح) والرخصة التي تأخذ شكل التفاف حول الشريعة عن طريق فتوى يصدرها أيٌّ من الفقهاء اليهود. فمثلاً يقوم بعض اليهود بوضع طعام يوم السبت على بعد نصف ميل من منزلهم، وبالتالي يصبح هذا المكان هو منزلهم، ويمكنهم من ثم أن يسيروا مسافة نصف ميل أخرى . وتقوم القوات المسلحة الإسرائيلية باستئجار عرب للقيام بهذه المهمة. ولما كان من الواجب على اليهودي ألا يطلب من غير اليهودي القيام بالمهمة بشكل مباشـر، فإنه يلمـح إلى ذلك وحـسب، فإن أراد أن يشعل ناراً للتدفئة قال: «الجو بارد هنا».(حسبي الله ونعم الوكيل) وهناك أشكال أخرى للتحلة يمارسها اليهود في إسرائيل وخارجها.

كما أفتى أحد الحاخامات أنه لا مانع من أن تقوم القرود أو الكلاب المدربة على إطفاء الأنوار (يوم السبت) والقيام بأعمال منزلية أخرى، إذا لم تكن هذه الحيوانات من ممتلكات العائلة ,ففي هذه الحالة تُعتبَر جزءاً من الأسرة!!وعليها أن ترتاح مع باقي أعضاء الأسرة.

وقد حاولت اليهودية الإصلاحية التخفيف من التطرف في الاحتفال بيوم السبت. أما في إسرائيل، فقد صدر قانون العمل عام 1956 وهو ينص على أن السبت يوم الراحة الأسبوعية. ويتفاوت الإسرائيليون في اتباع تعاليم السبت من مكان إلى آخر بحسب قوة أو ضعف الأحزاب الدينية داخل المجالس المحلية. فمثلاً تُفتَح المقاهي في تل أبيب طيلة يوم السبت، في حين تغلق أبوابها نهائياً في القدس، وإن كان الوضع قد بدأ يتـغيَّر في الآونـة الأخيرة مع تَصـاعُد معـدلات العلمنة. وفي بناي براك، يُمنَع النقل العام وتُسدُّ جميع الشوارع ولا يُسمَح بأي مرور، في حين تجرى عمليات المرور والنقل العام في حيفا كالمعتاد في أي يوم من أيام الأسبوع. وتزيد إذاعة إسرائيل من بث نشرات الأخبار بعد غروب يوم السبت حتى يستمع إليها من فاته سماعها طيلة اليوم، فالاستماع إلى الإذاعة محرَّم في ذلك اليوم المقدَّس. كما تُمنَع إذاعة أنباء الموتى أو حوادث موت في ذلك اليوم. ويُقال إن نحو ربع السكان يقيمون شعائر السبت كاملة، ولكننا نعتقد أن هذا رقم مُبالَغ فيه, فهم ربما لا يتعدون ال4%، وفي الغالب سنجد أنهم يقيمون بعض شعائر السبت وحسب.

 

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.