مختارات
الرئيسية / مقال رئيس التحرير / “بُص” العصفورة بقلم : باهــر الســـليمي
باهر السليمى

“بُص” العصفورة بقلم : باهــر الســـليمي

لأمر يعلمه الله وحده أجلت كتابة هذا الكتاب لبضع أيام حتى أرى ما تُسفر عنه الأيام وإلى أي حال تنتهي ” حدوتة ” المخرج خالد يوسف وأفلامه ” البورنو ” التي خرجت للعلن بفعل فاعل وما احتوته على مشاهد فاضحة مع فتيات باحثات عن الشهرة وأشياء أخرى ..
أنتظرت أيام ونظرية “بُص العصفورة”تطاردني وتسيطر على تفكيري حتى جاء الحادث الأرهابي اللعين والذي راح ضحيته ستة عشر شهيدًا من خيرة أبنائنا فى سيناء الحبية , ولم يمر سوى أربع وعشرون ساعة حتى فاجأتنا الأخبار بالحادث الأرهابي بالدرب الأحمر ..
رغم حالة الحزن التي ألقت بظلالها على أرجاء ” الوطن ” إلا أن ذلك لم يمنع البعض ممن مات في قلوبهم حب ” الوطن ” من الربط بين هذه الحوادث الأرهاربية ونظرية ” بُص العصفورة ” , وأخذوا يبثون سمومهم على مواقع التواصل الاجتماعي , ويرددون أكاذيهم المعتادة بأن ما حدث من جرائم أرهابية ما هي إلا من صنيعة ” النظام ” حتى يمرر التعديلات الدستورية !! وهو ربط من وجهة نظري في غاية الغرابة واستخفاف بعقول الناس .
رحم الله شهداء الوطن وحمى مصرنا من غدر الأرهاب والأرهابيين ..
لا أنكر أنني ضد التسريبات التي خرجت مؤخرًا للمخرج والنائب البرلماني خالد يوسف , ليس دفاعًا عنه ولكن لأن توقيتها أثار الريبة لدي الكثيرين وأنا واحد منهم , وخاصة بعد أعلان ” المخرج النائب ” صراحة رفضه للتعديلات الدستورية المقترحة , ففي رأي المتواضع أن مثل هذه الأساليب أنقضى عهدها وبات التعامل بها يؤكد أن من يدير الأمور في هذا البلد يحتاج أن يراجع أفكاره وأساليب تعامله مع من يعارضه .
الجميع الآن يتفنن في نظرية ” بُص العصفورة ” ، إلا أن الإعلام المصري يبدو مُدهشًا في تطبيقها، الأمر لم تعد خطورته قاصرة علي مجرد إلهاء البُسطاء عن القضايا الأساسية، لكن الأمر تعدي إلي تجريف الشخصية المصرية، تعدي واضح وتغول علي الأخلاقيات والسلوكيات، الأعجب أن الفوضي الإعلامية ظاهرها الفوضي المُطلقة إلا أن باطنها الفوضي المنظمة المُخططة؟!
لن تجد مع الإعلام الأن قضايا مكررة، الإعلام متجدد، كل يوم قضية وكل يوم فضيحة وكل يوم كارثة، شئ ربما يفوق السحر أو الخيال.
فإعلامننا ينهال علينا كل يوم بمواضيع تثير جدلًا ولا هدف منها سوى تشتيت الانتباه وخلق أزمات خلافية تلغي العقل وتذوّبه وتظل تلك الحكايات محور النقاشات لأيام وأحيانًا لأسابيع ينسى الناس فيها الفقر والبطالة وغلاء المعيشة والتنمية والتشغيل وتردي حال التعليم والصحة و.. و..
العُصفورة يتم إعادة إنتاجها يومياً بشكل مختلف، ألاف المرات ربما إعتماداً أصيلا علي أننا شعب ” نسّاي ” ، من يُدير هذا السيرك العجيب؟! من يرعاه؟! من يرفع هذا ليتصدر “التريند”، ؟
للزعيم النازي أدولف هتلر مقولة شهيرة يمكن أن تساهم في فهم إحدى أليات الإلهاء حيث يقول : اصنع كذبة كبيرة .. اجعلها بسيطة .. كررها باستمرار .. وأخيرًا سوف يصدقونها
المقولة السابقة تعديد إلى ذاكرتنا بعض الأحداث والمواقف التي عشناها – دينية وثقافية واجتماعية ورياضية واقتصادية – في فترات مختلفة وفتحت أبوابًا للنقاش والجدل واللغط والسباب والاتهامات ثم انتهى مفعولها وطويت مع الوقت ونسيها الناس والتفتوا إلى الجديد .. والأمثلة كثيرة وعديدة .. ليس مهما استعراض نماذج للأحداث والوقائع , فقط يمكننا أن نعدد كم أزمة خلقت وكم فتنة زُرعت وكم شخصية اتُهمت وكم إجراءات وقوانين وقرارات مررت لنعرف كم حبرًا أسالت وكم خطابًا استوجبت وكم منبرًا للنقاش فتحت وكم رأسا كسّرت ..
إذا كنت تريد معرفة الاستراتيجيات المتبعة في تخدير وإلها الشعوب يكفي أن تعود إلى كتاب المفكر الأمريكي ناعومي تشومسكي “الأسلحة الصامتة لخوض الحرب الهادئة” وما عليك إلا أن تسقط البعض مما جاء فيه على واقع الحال لتكتشف أن السياسة واحدة وإن اختلفت الأمكنة والأزمنة .
يقول تشومسكي مثلا شارحًا استراتيجية الإلهاء بالتسلية والترفية إنها عنصرأساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع , عبر تحويل أنتباه الرأي العام عن القضايا الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية , مع إغراق الناس بوابل متواصل من وسائل الترفيه في مقابل شح المعلومات وندرتها .. حافظوا على اهتمام الرأي العام بعيدًا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية , اجعلوه مفتونًا بمسائل وأمور لا أهمية حقيقية لها , أبقوا الجمهور مشغولًا ,مشغولًا , مشغولًا , لا وقت لديه للتفكير وعليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات .
أما في باب التخدير بالتأجيل فيقول المفكر الأمريكي : هناك طريقة أخرى لتمرير قرار لا يحظى بشعبية هو تقديمه باعتباره قرارًا مؤلمًا ولكنه ضروري , ذلك أنه من الأسهل دائما قبول القيام بالتضحية في المستقبل عوض التضحية في الحاضر . ولأن الجهد المطلوب لتخطي الأمر لن يكون على الفور . ثم لأن الجمهور لا يزال يميل إلى الاعتقاد بسذاجة أن كل شيء سيكون أفضل غدًا فإن الوقت سيسمح ليعتاد الجمهور فكرة التغير ويقبل الأمر طائعًا عندما يحين الوقت.
ومن التقنيات للإلهاء دائما حسب تشومسكي ..
– تشجيع الجمهور على استحسان الرداءة عبر الإكثار من برامج الثرثرة والهراء والرقص والأغاني . فإلهاء الشعوب باستخدام الفن دائمًا يصاحبه نوع من الفساد للمزاج العام بسبب تردي وضع المجتمع فيصبح الفرد على استعداد لتقبل أي شيء .
– تشجيع العامة على أن تنظر بعين الرضا إلى كونها غبية ومبتذلة وغير متعلمة .
– دفع كل فرد في المجتمع إلى الاعتقاد بأنه هو المسئول الوحيد عن تعاسته , وذلك بسبب محدودية ذكائه وضعف قدرته أو جهوده وهكذا , بدلا من أن يثور على النظام الاقتصادي يحطُّ الفرد من ذاته ويغرق نفسه في الشعور بالذنب , مما يخلق لديه حالة اكتئاب .
طبعا الاستراتيجيات السابقة فيها الكثير مما نعيشه اليوم .. فضلا عن أن كل واحد منا أضحت لديه أزمة تلهيه وتلون تفاصيل يومه ..
السؤال هنا .. لماذا تظل الوعاء الذي يستوعب كل هذا الهراء؟ لماذا تصدق تلك الأشباح، لماذا أصبحت تشعر بانتصار داخلي وأنت تري المعارك الفضائية اللاأخلاقية حين ينتصر من تعتقد أنه الحق، علي الرغم أن الكل علي باطل؟ لماذا تظل النقطة الأضعف، لماذا أصبحت تسير بلا توقف دون تقييم؟
نحن لا نتعامل مع القضايا الكبري في حياتنا لأننا لا نركز ولا يراد لنا أن نركز تصحو صباحًا فيقال لك (بُص العصفورة) تنظر في اتجاه العصفورة الجديدة وقبل أن تكمل استدارة وجهك لتري ما الموضوع، تفاجأ بعصفورة جديدة عليك أن تنظر لها .. !!

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.