مختارات
الرئيسية / ستديو الكبار / محمد حلمي يكتب : الأيدي الناعمة.. خطيئة الماضي “عندما تتحول السفالة إلي عمل فني”

محمد حلمي يكتب : الأيدي الناعمة.. خطيئة الماضي “عندما تتحول السفالة إلي عمل فني”

محمد حلمي

                                   محمد حلمي

شاهدت اليوم فيلم “الأيدي الناعمة” فأحسست أن عقلي يقرأ سطورا قد لا تظهر عادة عند المشاهدة السطحية و لكنها ربما يمكن قراءتها بسياقات أخري إذا ما وضعت في اطارها التاريخي.

بطل الفيلم هو “شوكت حلمي” ويقوم بدوره الفنان المبدع أحمد مظهر و هو رجل تم نهب كل أمواله لسبب مجهول تحت مسمي التأميم و قوانين الإصلاح الزراعي في العصر الإشتراكي البائد يتعرض لحملة بشعة من التنمر و المعايرة من كل من حوله بسبب فقره الشديد و الذي كان السبب فيه سرقة كل شيئ يمتلكه حتي وصل الأمر إلي مصادرة بيته و السماح له بالاقامة فيه فقط و الحول دون التصرف فيه بأي شكل من الأشكال.

تلاحظ منذ الوهلة الأولي أن شوكت حلمي هو الأكثر تعليما و ثقافة و أناقة و احتراما للنساء و هو الأكثر إلماما بعدة لغات بطلاقة تامة علي عكس الشخصيات التي توالي ظهورها خلال الأحداث و التي بدت سوقية و مبتذلة إلي حد كبير و التي لم تكف عن التهكم علي شوكت حلمي و السخرية منه طوال الوقت بسبب أو بدون سبب

لفت نظري ذلك المشهد عندما كان شوكت يقوم ببعض الأعمال اليدوية في حديقة منزله مرتديا قفازات لحماية يده ثم تظهر بطلة الفيلم الفنانة صباح و ترمقه بنظرات ازدراء و سخرية و تنصحه بخلع القفاز لأن ثمنه يتجاوز العشرة جنيهات و هي بذلك قد افترضت بطريقة ألمعية أن هذا المبلغ هو أغلي من قيمة حماية يد الإنسان من الإصابات المحتملة و يبدو أنها كانت تتابع عمله بشكل يومي و تلمس يد شوكت للتأكد من حدوث الضرر و بذلك تعلم أنه لا يخدعها و يرتدي القفازات خلسة للحفاظ علي يديه.

ذلك المشهد عكس بوضوح مدي رقي فكر شوكت و تقديره الصحيح لقيمة و اهمية أدوات الأمن و السلامة بما يتلاءم مع مستوي التعليم الراقي الذي حصل عليه في مقابل جهل و انحطاط فكر بطلة الفيلم و التي يفترض أنها تقدم الفكر الحديث المتطور و الرسالة المراد توصيلها للمشاهد.

لم يقف الأمر عند هذا الحد بل استمرت تلك السلسلة من المهاترات و السخافات.

شوكت حلمي لم يكن شخص عادي بل انه كان الوحيد من بين شخصيات الفيلم الذي لديه موهبة فنية فذه في العزف علي البيانو و تأليف الألحان و كتابة نوتة موسيقية بإقتدار إلي الحد الذي سمح له بتأليف سيمفونيات كاملة و لكنها قوبلت بالتهكم أيضا عندما قال له المنتج الموسيقي أن الشعب لن يكون قادرا علي فهم هذا النوع من الموسيقي قبل مرور عشر سنوات علي الأقل و كأن هذا عيبا في شوكت و ليس دليلا علي عبقريته.
شوكت حلمي كان الشخص الوحيد بين الشخصيات الذي لديه مكتبة ضخمة بلغات متعددة و كان يعكف علي القراءة بعكس الشخصيات المحيطة به و التي لم يظهر لهم أي عمق ثقافي أو أدبي باستثناء صديقه الحاصل علي الدكتوراه و الذي تم التنكيل و الاستهزاء به أيضا. بل لم يظهر أحدهم حتي ممسكا بكتاب و رغم ذلك جرت السخرية كالعادة من شوكت و تم اتهامه بالجهل و ذلك لعدم إجادته اللغة العربية بالرغم من اتقانه عدة لغات أخري بطلاقة و اطلاعه علي العديد من الثقافات.

شوكت حلمي هو الشخص الوحيد الذي كان يمارس التمارين الرياضية بانتظام في الصباح و الوحيد الذي كان يملك جسدا رياضيا ممشوقا علي عكس باقي الشخصيات سواء من الرجال أو النساء و الذين قد بدت كروشهم متدلية بوضوح و مقاسات ملابسهم غير متناسبة ابدا و بالرغم من ذلك تم تقديم حرص شوكت علي ممارسة الرياضة بطريقة كوميدية ساخرة للتقليل من تلك العادة الصحية لسبب غير مفهوم.

شوكت حلمي هو الشخص الوسيم و الأكثر أناقة و الأكثر حرصا علي المظهر اللائق و يظهر ذلك في الحرص علي ارتداء الملابس اللائقك و الألوان الخاصة بكل مناسبة علي عكس باقي الشخصيات و التي بدت عشوائية و غوغائية للغاية.

أما النقطة الأخطر و التي قامت علي اساسها قصة الفيلم و هي أن شوكت كان عاطلا عن العمل و وصفوه بأنه “عاطل بالوراثة”.

قبل مصادرة ممتلكات تلك العائلات الفاحشة الثراء و التي كانت تقدر بآلاف الأفدنة و ربما بعض المصانع و الشركات و الأرصدة المالية الضخمة كانت تلك العائلات تحرص علي إعطاء ابنائها أمثال شوكت حلمي مستوي راقي جدا من التعليم يجعله قادرا علي إدارة تلك الإمبراطوريات الإقتصادية العائلية بكفاءة و اقتدار لذلك كان من يدير أعمال العائلة الضخمة لا يملك الوقت لممارسة اي وظائف أخري كما أن العائد الضخم يغنيه عن ممارسة أي عمل آخر ربما يعطله عن ممارسة مهامه.

و مصادرة أموال العائلة و ممتلكاتها تعني ببساطة انهيار المؤسسة الإقتصادية التي يرأسها شوكت و بالتالي خسارته لوظيفته.

لذلك فلا يوجد سبب لمعايرته الدائمة بالبطالة و التعطل عن العمل فالرجل لم يخسر أمواله في لعب القمار أو اتخذ قرارات مالية خاطئة نجم عنها خسارة ما. بل لقد تم انتزاع أملاكه رغما عنه بقوة قاهرة، و معايرته الدائمة بالبطالة من شخصيات الفيلم تعكس وضاعتهم و دناءتهم و سوء أخلاقهم و رغم ذلك كان رد شوكت علي إساءتهم أنهم مجرد “أوباش” و لم اجد هذا الوصف إلا معبرا عن حالة السفالة العامة التي سادت جميع شخصيات الفيلم.

شوكت حلمي كان غاضبا بشدة لأن ابنته تزوجت رجلا هو لا يوافق عليه و له الحق أن يغضب بصفته ولي أمرها و هذا رد فعل طبيعي لأي رجل شرقي و رغم ذلك لم يتسبب لابنته بأي مشكلات مع زوجها و عائلته و اخرجها من حياته بسلام و رد فعله أقل كثيرا مما قد يتوقع من أي مصري قد تهرب ابنته للزواج من شخص دون موافقته (كما حدث في مسلسل ذئاب الجبل مثلا)

و بالرغم من كل تلك الصعوبات و التنمر الدائم ضده، استطاع شوكت أن يستخدم مواهبه المتعددة من اتقانه لعدة لغات و اناقته و قدرته الفائقة علي القراءة و الإطلاع ليصنع تغيير كامل في نشاطه المهني و يتحول من إدارة الأعمال و المؤسسات المالية إلي العمل في القطاع السياحي بنجاح بالرغم من تقدم عمره الواضح و هي الخطوة التي لم يقم بها أي من شخصيات الفيلم الأخري ممن كانوا يداومون علي معايرته.

الفيلم يمثل حالة عجيبة من الإضطهاد الممنهج من قبل مجموعة من الرعاع مكنتهم الظروف السيئة من التنمر علي شخص ذو مستوي راقي من العلم و الثقافة و الإبداع و دأبوا علي السخرية منه و إذلاله بلا رحمة.

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.