مختارات
الرئيسية / وجهات نظر / نتيجة القراءة الثانية لـ “محطة الرمل” .. بقلم : سـاره صـلاح
سارة صلاح

نتيجة القراءة الثانية لـ “محطة الرمل” .. بقلم : سـاره صـلاح

رواية محطة الرمل للروائي أحمد سلامه

رواية محطة الرمل للروائي أحمد سلامه

لا أعرف كيف لرواية أن تسلب مني خمس نجمات في القراءة الثانية.. فعادةً القراءة الثانية تكون أقل متعة وأقل تأثيرًا ولكن مع هذه الرواية اختلف الوضع معي.. فبعد أن منحتها أربع نجمات أولًا، رأيت بعدما أنهيتها للمرة الثانية أنها تستحق الخمس نجمات.
كما أنني أخطأت في قراءتي الأولى للرواية عندما قمت بعمل “ريفيو”
فالرواية ليست بحاجة له، حقًّا ليست بحاجة، فأنا أشعر أنه ليس عليَّ سوى أن “أحسها” أضعها في قلبي، يوجعه ما بها من وجع و يطيبه ما بها من طيبة.. ولكنها جعتلني أتساءل: لمَ دائمًا الطيبون يتألمون، لم الوجع ملازم للطيبة؟! والغريب أنهم أيضًا يمتلكون إصرارًا عجيبًا في أن يبقوا طيبين.. فحبيبة رغم كل ما مرَّت به ورغم سنين الوجع، إلا أنها بقيت طيبة، بريئة، لم يلوثها كل ما عاشت.. حقًّا لِمَ الطيبون هكذا، وكأن الله عندما منحهم قلوبًا طيبة منحهم معها القوة والإصرار على الاحتفاظ بها.. ندمت زهرة، تعذبت، كاد يقتلها الشعور بالذنب..لكنها بقيت قادرة على العطاء، بل رُبَّما زادها الألم إحساسًا وقدرة على العطاء، جعلها قادرة على رؤية الوجع من خلف أبواب القلوب..
وتساءلت أيضًا: هل قدسية الأسرار أحيانًا تعذبنا إلى هذا الحد؟ وهل إذا بحنا بها وخالفنا العهد “رحمة بأنفسنا” سيحاسبنا الله؟ أم سنكون معذورين.. أي عذاب تحملته يا نور فوق عذابك.. نتيجة وعد!
وتساءلتُ وتساءلت طوال قراءتي: هل الاعتراف بذنوبنا للآخرين قد يقلل من حملها على نفوسنا أم يضيف إلى الحِمل خزيا؟! هل الشعور بالذنب يلازم الإنسان مدى الحياة، ألن يُذهِبه أبدًا الندم والاستغفار؟! هل كُتب على الطيبين إذا ما أخطأوا أن يعتادوا تلازم العذاب؟! ولكن.. الله رحيم، إذا فلابد أن نرحم أنفسنا أيضًا.. هكذا قالت نوران”جميعنا نستحق الرحمة..” وأنا أصدق وأؤمن..
كيف صنعت هذا المزيج يا سلامة؟! مزيج من الطيبة والذنب والوجع.. جعلتَني أحب جميع الأبطال، أحبهم جميعهم بلا استثناء رغم أخطائهم.. فإيزاء النفوس الطيبة لا يمكننا إلا أن نشعر بالحب .. ورغم أنني رأيت زهرة قاسية بعض الشيء على عبد الله، إلا أني لم أستطع إلا أن أحبها.. فزهرة لم تخطىء وحدها، ليست المذنبة الوحيدة، فالمجتمع هوالآخر مذنب، مذنب بعادته وتقاليده الغبية.. دائمًا هكذا، هناك من أو ما يجبرنا على الوقوع في الخطأ، ولا نجني في النهاية سوى الشعور بالذنب..

أحمد سلامه

أحمد سلامه

أخطأ نور إلا أني أحببته أيضًا، مسكين نور، عانى من والده صغيرًا، كبر بالألم وعاش به، ولم يكفِ الحياة فأهدته الشعور بالذنب لتقضي على ما بقى فيه من قوة.. تمنيت لو أستطيع أن أضمه، أن أربت على قلبه وأقول له “جميل أنت يا نور جميل رغم ما ارتكبت، رُبَّما أخطأت ولكن جمعينا نخطئ، الله رحيم يا نور، ألم تخبرك
نوران أنه لا يوجد مِنَّا من لا يستحقُّ الرحمة، أن الله لم يخلقنا ليلعننا ”
رأيت نوران رسالة الرحمة في الرواية.. شبّهتها بإهداء الرواية “إلى الطيبين: رفقا بأنفسكم” فكما كان
الإهداء رسالة إلى الطيبين، كانت نوران هكذا، فقد جاءت في وسط الألم، والشعور بالذنب لتذكِّرنا وتذكرنور وتذكر كل الطيبين الذين يجلدون أنفسهم “بالرحمة”.. رحمة الخالق، ورحمة الخلق..
وأما سلمى، فقد قالوا إنها الحياة .. الحياة التي تظهر جميلة، بريئة، وتمنحك الفرص وتقول لك يمكنك أن تنجح ، وتنجح بالفعل.. ولكن في نهاية كل هذا تغدر، تتسرسب من بين يدك وتهرب، وتتركك حائرًا فيها، لا تجد
تفسيرا لها.. وهكذا سلمى ظهرت وغابت دون تفسير..
ولكني رأيت سلمى بشكلٍ آخر رأيتها رسالة من الله لمنير.. فهناك أناس يدخلون حياتنا ليس للبقاء الأبدي أو حتى الرحيل المبرَّر.. هم فقط يظهرون في حياتنا لسبب ما أرسلهم الله من أجله ثم يختفون.. وقتها لا يجب أن نسأل عن السبب، وقتها نكون فقط بحاجة إلى أن نفهم الحكمة.. لو لم تظهر سلمى في حياة منير ما كان ليدرك حجم موهبته، لم يكن ليترك دراسته التي يكرهها ويمارس ما يحب.. ما عرف منير أن هناك ما هو أجمل من عشق الجسد.. ربما كان تخلي منير عن علاقاته المحرَّمة مؤقتًا وعاد إليه من جديد بعد اختفاء سلمى، ولكنه على الأقل قد عرفَ كم أن الصدق جميلًا وكم أن الحب النقي جميلًا..
نفوس ربطها وقربها الوجع.. اشتركوا في الشعور بالذنب.. كما جمعتهم الطيبة جمعهم الألم.. أيها الطيبون، أرجوكم.. ابقوا هكذا “طيبين”..

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.