مختارات
الرئيسية / مقال رئيس التحرير / إنسان تافه .. وحياة تافهة .. فلما الحزن ؟! بقلم : باهر السليمي
باهر السليمى

إنسان تافه .. وحياة تافهة .. فلما الحزن ؟! بقلم : باهر السليمي

 

 

لطالما تساءلت مرارًا وتكرارًا…لماذا يعشق البعض فن التراجيديا ويتقن أداء الدور فيه ؟!

لماذا يحب البعض أن يعيش جو الكآبة والبؤس رغم جمال أكثر الأشياء من حوله ؟!

أعلم أن هناك الكثير من الآلام والمصائب التي تؤلمنا وتوجع أفئدتنا …

أعلم أن الأقدار قد تسوقنا إجبارًا إلى الدخول في عالم الحزن والبؤس…

أعلم كل هذا ولكن لماذا أراهم يحبون المكوث فيه طويلًا كأسرى مثقلون بآلام القيد وقسوة الأعداء؟!

ملامح الكآبة التي ترتسم على محياهم ، و نغمة الأشجان التي تخنق مخارج حروفهم ،رسائلهم الشخصية ، توقيعاتهم …الخ

تشير إلى حزن يعصف بهم يمنة ويسرة ..!

وإذا سألت عن مصدر آلامهم وهمومهم وجدت أنه قد يكون سبب تافه حقير ..لا يستحق كل هذا (التظاهر) بالألم..!

وفي الوقت ذاته أرى أشخاصًا لديهم من هموم الدنيا مالديهم فلم أرَ إلا  ابتسامتهم وجمال روحهم ..!

فى روايته الأشهر ” أرض النفاق ” – 1949 – كتب الروائي الكبير الراحل يوسف السباعي عن ” الحزن ” فيقول :
أيها الناس .. لا تحزنوا .. لا تحزنوا .
كيف تحزنون على شئ . وأنتم لا شئ ؟
فيم حزنكم .. وبعد لحظة أو لحظات ستضحون رمة لا تستطيع حتى أن تحزن ؟
أيها الناس ، لا تحزنوا على ما ضاع فأنتم أنفسكم ضائعون .. كيف يحزن ضائع على ضائع ؟ .. وهالك على هالك ؟ .. وزائل على زائل ؟ ..

ما أحمق الإنسان ! يجعل من حياته سلسلة مسببات للحزن . يحزن لأوهى الأسباب وأتفه العلاث .. في دنيا ليس بها ما يستحق الحزن .. إنسان تافه فى دنيا تأفهة .. يحزن المرء لأن بقعة حبر قد سقطت على ثوبه الأبيض فأتلفته ، ولو تذكر عندما أصابه الحزن على ثوبه أنه ليس أسهل من أن يطوى هو وثوبه الأبيض تحت عجلات الترام ، ليغرق ثوبه بالحبر وهو هانئ سعيد .

يحزن المرء لأنه غلب في صفقة وأن البائع قد خدعه في بضعة قروش ، ولو علم أن جرثومة صغيرة قد تسلبه عشرات الجنيهات لكي ينجو من مرضها لما أحزنته قروشه الضائعة .
يحزن المرء إذا فقد متعة من المتع ، ولو درى أنه فى غمضة عين قد يفقد نفسه .. لما أسف على متعة زالت .

إن مشاعر الإنسان محدودة الطاقة .. إنه يحزن إلى حد محدود .. ويفرح إلى درجة معينة ، فلا يمكن أن يتناسب حزنه وفرحه مع مسببات ذلك الحزن أو الفرح ، أعني أنه لا يمكن أن يتزايد حزنه كلما زادت مسببات الحزن .. بل لابد لحزنه أن يقف عند حد لا يتجاوزه مهما زادت مسببات الحزن ، وإلا لمات معظم الناس حزنا أو قضوا فرحا .

هذه هي طبيعة الإنسان .. فحزنه محدود ، فالذي يفقد ثلاثة أولاد لا أظنه يحزن ثلاثة أضعاف الذي يفقد ولدا ، والذي يربح ألف جنيه لا تظنه يفرح عشرة أمثال من يربح مائة .. إنها رحمة من الله أن جعله يحزن بقدر .. وأن جعل مشاعره محدودة الطاقة ، وإلا قضت عليه .. فانتحر حزنا ويأسا أو مات فرحا وهناء .. وأستطيع أن أجزم أن انكشاف الحقيقة لن يقضي عليه بل سيفزعه ويروعه .. ثم يفيق من الصدمة .. ويتمالك نفسه ويبدأ في مواجهة الحقائق الموجعة محاولا جهده أن يصلح أمره وأن يزيل خبائثه ونقائصه ويجعل من نفسه ومن دنياه خيرا مما هو عليه .

لا تقبل النعمة الطارئة قط .. لا تفرح بالكثير المنقطع .. فسيجعلك تكفر بالقليل الدائم الذي وطنت نفسك على قبوله والرضا به .. إذا كنت تسير على قدميك فإياك أن تركب برهة .. وإلا ذاقت قدماك نعمة الركوب والراحة ، وكرهت السير الذي طالما اعتدته .. إن الإنسان يظل قانعا بما وهبه الله له .. مهما قل .. راضيا سعيدا بما منحه إياه .. مهما ضؤل وحقر .. حتى يذوق ما في يد غيره .. ويحس بما أنعم الله به على سواه .. فإذا به قد كفر وبطر وأحس بالشقاء والتعاسة .. إن مبعث شقائنا في الحياة هو المقا؛نة بين النعم ..

كل إنسان في هذه الحياة يحس بالشقاء والحرمان .. لأنه ينظر إلى أعلى ، كلنا ننظر إلى أعلى فنحس أننا في أسفل ، ولو علمنا أنفسنا أن ننظر دائما إلى من هم أسفل لحمدنا الله على العلو الذي وضعنا فيه .

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.