مختارات
الرئيسية / وجهات نظر / البحر يخطف الأحلام أيضًا .. بقلم : د. إيمان بيبرس
د. إيمان بيبرس

البحر يخطف الأحلام أيضًا .. بقلم : د. إيمان بيبرس

“الموت غرقًا، الفقدان في عرض البحر، الضبط والاحتجاز من قبل قوات حرس الحدود”.. سيناريوهات عديدة متوقعة للهجرة غير الشرعية، ولا أعلم كيف لم يحسب شبابنا الغرقى بمركب “رشيد” لهذه السيناريوهات حسابًا كأنهم صناع فيلم سيتحكمون في وضع نهايته السعيدة بكل تأكيد.
“الهجرة غير الشرعية”، لا أبالغ إن قلت إنها من “أبغض” الكلمات التي باتت تتردد على مسمعي خلال هذه الفترة، سواء لأنها كانت الوسيلة التي جنى بها شبابنا على أنفسهم، أو لأنها تحمل الكثير والكثير من المعاني التي لا يتحملها أي شخص يحمل لوطنه مثقال ذرة من حب وانتماء.
ما رأيك عزيزي القارئ بأن نفسر ونحلل سويًا المعاني الكامنة في هذه الكلمات الثلاث “الهجرة الغير شرعية”، فأولًا: الهجرة فهي تعني سفر المواطن من بلده والاستقرار في الخارج لسنوات عديدة، وغير شرعية فيُقصد بها أنها لا تتم بالطرق الرسمية المتعارف عليها في الأوساط الدولية.
وبعد أن انتهينا من التعريفات بالتأكيد أن هناك تساؤلًا واحدًا قفز إلى تفكيرنا وهو “لماذا؟ … لماذا يلجأ شبابنا إلى السفر وبهذه الطريقة غير الشرعية؟!، فمن وجهة نظرهم، فإنهم يغامرون بحياتهم من أجل “حلم” العمل في الخارج والعيشة الرغدة وتحقيق الثراء في دول أوروبا!، وكأن وطنهم بات خاليًا من الوظائف، وكأنهم أيضًا يسافرون “خاليين” الوفاض ولا يملكون أية أموال، رغم أن كل شاب يدفع ما يتراوح ما بين 30 إلى 40 ألف جنيه مقابل الهجرة غير الشرعية!
وكم آلمني قلبي عندما علمت أن معظم الشباب الغرقى تتراوح أعمارهم بين (11 و14) عامًا، فمن أين آتتهم أفكار مثل فكرة الهجرة الغير شرعية؟! ومن أين أستطاعوا توفير هذه المبالغ للسفر؟!، وأنا لا ألوم هؤلاء الشباب أو بالمعنى الأصح هؤلاء “الأطفال”، إنما اللوم كله يقع على أهاليهم الذين يتاجرون بموتهم.
فالحقيقة أتعجب أفلا تستطيعون أيها الشباب أن تستثمروا أموالكم داخل بلدكم؟! حتى إذا كان المشروع صغيرا مثل مشروع تجارة الفاكهة والخضراوات أو مشروع صناعي صغير مثل ورشة دهان أو نجارة أو مشروعات محلات للمأكولات والمشروبات ومع الوقت والعمل بجد يكبر المشروع ويحقق ربح كبير وبالتالي تحقق الثراء الذي كنت تطمح فيه، فها هم الشباب السوريين في كل الدول، ولم يكن معهم تلك المبالغ الباهظة واستطاعوا من خلال العمل والجد والاجتهاد والمعاملة الشريفة أن يحققوا مكاسب جيدة ويكونوا أصحاب مشروعات، وبالتأكيد أن ظروف شبابنا تختلف كليًا عن ظروف الشباب السوري الذي كان مجبورًا على ترك أرضه ووطنه.
ومن هنا فإن حجة عدم وجود فرص عمل داخل بلدهم لم تعد مقبولة لعقولنا، والأدلة على ذلك كثيرة، فمثلًا لدينا مشروع قناطر أسيوط الجديدة الذي ضم حوالي 5500 عامل وفني من 6 محافظات في الصعيد، وحصلوا على يوميات وأجور عالية وسكن متوفر وأجازه كل 15 يوما، وليس ذلك المشروع فقط فهناك العديد من المشروعات في سيناء ومصانع برج العرب في حاجة للعمالة، كما تقوم الدولة بتوفير القروض للشباب، حيث خصصت مبلغ 200 مليار جنيه لإقراض الشباب لمساعدتهم في إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة داخل بلادهم.
وفي المقابل دعني أقول لكل من يردد بأنه لا توجد فرصة عمل في مصر، ماهي مخيلتكم عن العمل في دول أوربا ؟! هل ستعمل مديراً لشركات أوروبية أو في مناصب أو وظائف مرموقة وأنت مهاجر غير شرعي؟! بالطبع لا، فعليك أن تعرف أن بمجرد وصولك إلى أوروبا تلاحقك الشرطة، كما أن جهلك باللغة سيشل من قدراتك أيضًا، فلا يوجد أي داعي للغربه لأنك ستعمل بنفس الوظيفة في بلدك أيضاً.
وانتابني شعور الغرابة بعد هذه الحادثة حينما سمعت رد أحد الآباء عندما تم سؤاله “أنت مخوفتش على ابنك”، فرد قائلًا: “لأ خفت قوي بس عندي 6 أبناء غيره”، وهذا إن دل على شئ فهو يدل على أن الجهل والفقر هو المتحكم في مصير الأبناء، حيث نجد الأب لديه 6 أبناء، ويتوقع من الدولة أن تنفق عليهم ويلومها على فشله في سد احتياجاتهم، وهو ما نجده أيضاً من قيام الأب بتزويج ابنته من خليجي ثري بـ50 أو 100 ألف جنيه وترجع له الفتاه بعد سنتين ومعها أولاد منه، ويلقي هو الآخر اللوم على الحكومة التي لم تقوم باعطاء حق ابنته وأولادها.
ومن هنا نحن بحاجة إلى التصدي لسماسرة الموت الذين يستنزفون أرواح وأموال الشباب، بزعم تحقيق حلم الثراء الفاحش عبر مراكب الموت التي تحملهم إلى دول أوروبا، ويجب أن يتحمل الأهالي مسئولية أخطائهم ولا يلوموا الآخرين أو الأوضاع الاقتصادية، ولكن كيف نحارب شبح الموت المتكرر بالمراكب؟
وبالطبع يمكننا محاربة هذا الشبح، بل والقضاء عليه، وذلك من خلال اتباع استراتيجية تقوم على أربعة محاور وهي: المحور الأول: تغليظ العقوبات وجعل القانون رادع لكل مرتكبي عمليات الهجرة غير الشرعية، فقد عمل حادث مركب رشيد المأساوي على إفاقة المسئولين بإرسال مشروع قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى مجلس النواب، فيجب أن يتضمن القانون تغليظ العقوبات لكل من ساهم في عمليات الهجرة غير الشرعية، عبر تنظيمات أو جماعات تهريب المهاجرين، فتعد تلك أولى الخطوات الفعلية في بداية الطريق نحو مواجهة تلك الظاهرة.
أما المحور الثاني: فهو قيام قوات حرس الحدود وخفر السواحل بضبط السواحل أمنيًا من خلال دوريات مستمرة ليلًا ونهارًا، بينما المحور الثالث: فيكمن في رفع وعي الأهالي بأهمية التعامل مع أبنائهم، ليس على أنهم سلع تباع وتشترى، فهم فلذة أكبادهم فيجب مراعاتهم وتربيتهم تربية حسنة لكي يكونوا ذات قيمة وشأن في خدمة بلادهم ورفع شأنها في جميع الميادين ، ويجب التشديد على تنظيم الأسرة والاكتفاء بطفل أو اثنين لتتم تربيتهم تربية جيدة وتتوافر لديهم كل متطلبات الحياة الأساسية في بلادهم.
وأخيرًا المحور الرابع: الذي يقوم على رفع الوعي وتغيير ثقافة الشباب نحو حلم تحقيق الثراء السريع في السفر غير الشرعي للدول الأوربية عن طريق تنظيم حملات للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، والعمل على حل مشاكل الشباب والقضاء على البطالة، والتأكيد على كرامة المواطن، وغرس الروح الوطنية في نفوس الشباب.
وأخيرًا، لا يمكنني التعبير عن الحزن الذي غيم على قلبي عندما علمت بهذه المأساة، فرحم الله جميع شبابنا، الذين كانوا من الممكن أن يكونوا صناع المستقبل، ولكنهم بدلًا من ذلك راحوا ضحية حلم الثراء الوهمي!
———–
خبيرة دولية في قضايا النوع الاجتماعي والتنمية الاجتماعية
وخبيرة في تطبيق التنمية المستدامة في المناطق العشوائية

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.