مختارات
الرئيسية / مقال رئيس التحرير / باهر السليمي يكتب عن .. الانتهازيون

باهر السليمي يكتب عن .. الانتهازيون

تشهد الأندية الرياضية هذه الأيام انتخابات مجالس إداراتها .. والأندية مجتمعات صغيرة كل يعرف بعضه ، أشبه بالعائلة الكبيرة ، وكما هو معروف فانتخابات الأندية عمل تطوعي لا مكسب مادي من وراءه .. ولكن .. توجد نوعية من البشر لا يحلو لها الظهور إلا في مثل هذه المناسبات لتفسد في الأرض وتفرق بين الأهل .. إنهم الانتهازيون ..
فهم صورة حديثة للمنافقين الجبناء الذين لا يقاتلون إلا من وراء جدر، وهم يحسبون كل صيحة عليهم، ولا يجيدون إلا الطعن من الخلف، يحيكون المؤامرات وينصبون الفخاخ ويجيدون نسج الأحابيل التي هي أوهى من بيت العنكبوت عند من يعرف حالهم ولا تنطلي عليه حيلهم.
فالانتهازي شخص أناني، طموحه كبير، لكنه ضعيف الشخصية، يخيل إليك أنه مهزوم أو مظلوم فيما هو يتحايل للوصول إلى مبتغاه، لا يعطي رأيه بصراحة تامة، بل يريد أن يستمع إلى الجميع ليقف – ليس مع الأصوب – ولكن مع الأقوى شأناً أو الأكثر ثراء أو الأعلى جاهاً وسلطاناً ولو بالباطل، حماية لنفسه، وتحقيقاً لمصالحه.
يرفض النقد أو النصح ويعتبرهما انتقاصاً لقدره وحطاً من كفاءته، ويسيء الظن في كل من يوجهون نصحاً أو نقداً فيرى أن دافعهم شخصي أو باعثهم الحسد .
الانتهازية داء خطير قد ينمو مع الشخص منذ طفولته، وللبيئة دور في استئصاله أو تكريسه بحسب جودة هذه البيئة أو دناءتها.
يتسم الانتهازيون بسمات وسلوكيات شخصية تميزهم عن غيرهم، وهذه السمات لا تكاد تخطئها العين، وهم يتفاوتون في هذه السمات بحسب شدة انتهازيتهم وضعفها، فبينما تجد معظم هذه السمات عند شخص فقد لا تجد إلا القليل منها عند آخر، كما أن السمة الواحدة تتفاوت من شخص لآخر.
فانعدام الصدق تعد أهم صفة عند الانتهازيين ، بمفهومه الشامل أي الصدق في القول والعمل والقصد والهدف، فلا ترى الانتهازي صادقاً مع نفسه ولا مع ربه ولا في نيته ولا في عمله ولا في وظيفته ولا في عبادته وتدينه ولا مع المجتمع الذي ينتمي إليه، فتجد الكذب قد أحاط بالانتهازي وتشربه فأصبح سمة له وجزءاً من كيانه وقاسماً مشتركاً لجميع الانتهازيين، فالأصل فيما يقوله أو يعمله هو الكذب، وأما الصدق فهو الاستثناء، ولأن الكذب يهدي للفجور فإن سائر الصفات المذمومة الأخرى التي يتسم بها لا تعدو أن تكون إفرازاً طبيعياً لهذا الخلق المشين.
وهذا يؤدي إلى انقلاب للمفاهيم وانتكاس الموازين، فيصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وهنا يقع الخطر على المجتمع حينما تختلط فيه المقاييس، وتلتبس المعايير، ويفقد أفراده القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، والحقيقة والزيف، فيتمزق المجتمع من داخله ويصبح بنيانه هشاً واهياً سرعان ما ينهار عندما يتعرض لأدنى صدمة، بسبب البلبلة الشديدة الناتجة عن غلبة المعايير الانتهازية وانتشار ثقافتها المشوهة، فلا إبداع ولا إنتاج فكري أو علمي أو تقني، وما الداعي للتنافس في ذلك والعملة الرائجة في هذه السوق هي العملة النحاسية المزيفة التي سكَّت في مصانع الانتهازيين والوصوليين؟
كثرة تشدقهم بالمثاليات والمبادئ ، وذلك ذراً للرماد في العيون وإبعاداً للتهمة عنهم وإمعاناً في خداع الناس، وهذه جناية أخرى .
يجيدون الضجيج دون أي إنجاز ، فهم “ظاهرة صوتية” دون إنتاج ففاقد الشيء لا يعطيه، وهم يدركون ذلك فيرتكزون على جهود الآخرين ويسرقونها دون أدنى حياء ويتزلفون بها، فتجد التركيز على ما له مردود إعلامي وتضخيمه وكأنه من المعجزات، والتفريط بما هو أهم وما يعد بمثابة فرض العين لعدم جدواه الدعائية، ويعتبر آخر الاهتمامات، ويصرح بذلك دون اكتراث!!
يقدمون المصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية ، عندما يُخيَّر الانتهازي بين خدمة المصالح العامة والقيم أو خدمة المصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية ينحاز دون تردد لما يخدم مصالحه الذاتية دون غيرها، فرغم ما يتشدقون به إلا إنهم نادراً ما يقومون بفعل أي شيء لا يتعلق بخدمة الذات، فهم أناس غارقون في الأنانية وعشق الذات ، ويفاخرون بما يحققونه من مكاسب على المستوى الشخصي، ويشعرون بارتياح تام لذلك دون أي اكتراث بما تسببوا به من جناية على المستوى العام.
الاستبداد والانتهازية قرينان لا ينفك أحدهما عن الآخر ، فلسمة الاستبداد نصيب وافر عند الانتهازيين إذا قدروا، وما ينتج عنها من مصادرة للرأي الآخر واحتقار للآخرين وازدراءٍ, لهم، يحيطون أنفسهم بهالة من الوهم وكأنهم خلق آخر ، وغالباً ما يؤتون وتحل بهم النكبات من هذا الجانب لكنهم يكابرون وفي غيهم يتمادون، لا تنفعهم نصيحة ولا تردعهم عبرة حتى ينزل بهم أمر الله .
وهذا تفسير تشبث الانتهازيين بالكرسي أي كرسي فمنه يستمدون النفوذ الذي يؤهلهم لممارسة الابتزاز لرؤسائهم ومرؤوسيهم، لعلمهم بأن عامة الناس لا يترددون في عمل ما يمليه عليهم صاحب السلطة بغض النظر عن طبيعة هذه المهام ومدى تطابقها مع المبادئ والقيم، فهم أحرص الناس على منصب مهما كانت المسؤولية فيه ثقيلة أو كانت قدراتهم محدودة، ولا يمكن أن يتركوه بإرادة منهم.
التبرير لتجاوزاتهم من سماتهم فهم ينتهجون ثقافة تبريرية للتجاوزات والسلوكيات السلبية ويروجون لذلك ليتواروا خلفها وليتسنى لهم تحقيق مكاسبهم بأكبر قدر ممكن وبأقل الخسائر، وكأنهم مخلصون وأمناء وشرفاء دون أن ينكشف أمرهم، وفي المقابل تمتلئ قلوبهم حقداً وضغينةً على الصادقين المخلصين لخطرهم عليهم، فيسعون لإلصاق شتى التهم الزائفة والنقائص بهم، ويتحينون الفرص للوقيعة بهم.
هم أبعد ما يكونون عن التضحية فهم يسعون لتحقيق المكاسب بأقصر الطرق والحصول على الامتيازات بأقل جهد.
لذا فسرعان ما تجدهم يتقهقرون عندما تبدو أول بوادر لأي خطر، مسببين هزة في تماسك المجتمع وقوته بل ويحطمون صموده عندما تمر به ظروف حرجة، والواقع شاهد بذلك.
يحكمون على الشخص في ضوء أخطائه فحسب، فعندما يقيمونه فمن خلال أسوأ أعماله، يفقدون الإنصاف والموضوعية، لا يعينون الشخص لتجاوز الخطأ، وإنما يوظفون هذا الخطأ لدفعه لارتكاب مزيد من الأخطاء، وذلك للحصول منه على مزيد من التنازلات.
يتسمون بالجبن والضعف والخوف، وهذا ناتج لفقدهم فضيلة الصدق، وكونهم أبعد ما يكونون عن مسالك النزاهة والاستقامة.
لذلك أصبحوا هدفاً سهلاً للأعداء يحقق بهم أهدافه، وطابوراً خامساً ينفذون من خلاله إلى داخل المجتمع وتنكشف لهم نقاط ضعفه، بل ويطلعونهم على الثغرات التي يقوضون بها بنيانه ويحطمون كيانه.
الإيقاع بين الناس والتصيد في الماء العكر ،
بل يقومون بتعكير الماء ليتسنى لهم الاصطياد فيه ويتفننون في ذلك بألوان من الحيل والخداع، فقد يختصون بعض الأشخاص بكثير من المزايا، المادية والمعنوية، ليضمنوا ولاءهم وتجاوبهم ومساندتهم في وجه من يرفض الانسياق معهم، الذي سيكون نصيبه المضايقات والحرمان من الفرص والحقوق طالما أنه خارج دائرتهم الداخلية أو ما يعرف بـ”الشلّة”.
أهم عوامل النجاح لديهم استنزاف من حولهم في صراعات داخلية، لأنها توفر الفرصة السانحة للاستحواذ بالفرص والتمتع بالمزايا بعيداً عن إشغال الناس ومنافستهم، على المبدأ الفاسد: فرِّق تسد.
من أساليبهم القذرة ابتزاز الآخرين بالتهديد والوعيد لتحقيق أغراضهم، فهم لا يحظون بالحب أو التقدير ممن يعملون معهم، ولا يتورعون عن استخدام أي شخص واستنزاف جهده أو ماله أو معنوياته بهدف إشباع حاجاتهم دون أدنى شعور بلوم النفس أو تأنيب الضمير، وعندما يكون الفرد بحاجة لهم فهي فرصتهم الذهبية لممارسة ألوان الإذلال والمساومة والخداع لتحقيق أغراضهم منه، فهم دائماً يأخذون أكثر مما يقدمون.
يبحث الانتهازي عن ذاته فلا يجدها، فيتشبث بأذيال الآخرين، ويرتمي بين أيديهم، فيصف فشلهم بأنه نجاح باهر لا نظير له، وتصرفاتهم ذات العواقب الوخيمة بأنها إنجازات أشبه بالإعجاز، إما بالمدح والإطراء أو الدفاع والتبرير أو الامتطاء والمسايرة، فيظفر بمساندتهم وتأييدهم فيحتمي بهم ليسوم من تحته سوء العذاب، ويستغلهم أسوأ استغلال.
فالانتهازية خلق منبت لا أصالة له، وشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، تميل حيث تتجه الريح.

 

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.