مختارات
الرئيسية / مقال رئيس التحرير / باهـــر الســـليمي يكتب : كله بالحب
باهر السليمى

باهـــر الســـليمي يكتب : كله بالحب

ذات يوم سألت مسئول كبير في أحد البنوك الحكومية عن معايير اختيار رؤساء البنوك فجاءت إجابته صادمة لي حيث قال ” كله بالحب .. ” .. لاحظ الرجل اندهاشي الشديد وحالة التعجب التي انتابتني .. فاستطرد قائلا : لا تندهش ولا تتعجب .. هذا هو الواقع الذي نعيشه ليس في القطاع المصرفي فقط بل في كل القطاعات بداية من الغفير حتي الوزير .. زايمبئلك كده ..
المشكلة هنا ليس في كلام المسئول الكبير ” الصادم ” .. لكن المشكلة أنه حقيقي ويحدث بالفعل كل يوم وكأن ” البلد ” عزبة يديرها خولي أنفار .. هذا الكلام لا ينطبق علی المرحلة الحالية فقط .. بل ينطبق على كافة العصور منذ أيام المصريين القدماء وحتى قيام الساعة .. هذا هو قدرنا وقدر هذا البلد .. 
كلام المسئول له ما يثبته ويدلل عليه ، فالمتابع على سبيل المثال لصفحة الوفيات يلاحظ ويكتشف أن البلد تحكمها ويتقلد المناصب القيادية فيها عدد من العائلات لا تزيد عن أصابع اليدين وقد وصل الأمر في أحيان كثيرة أن تقلد المناصب الوزارية وزراء تربطهم صلة قرابة أو مصاهرة.

في القرن الأخير استأثرت عدة عائلات بالحياة السياسية والاقتصادية في مصر فالوزير ينجب وزيراً ورئيس الحزب يعد ابنه لخلافته أما رجال الأعمال فهم يحجزون مجالس إدارة شركاتهم لأبنائهم.

وداخل المعارضة هناك عائلات تسيطر علي الحياة السياسية..حيث تقاسم السيطرة على مقاليد الامور داخل الاحزب مجموعة من العائلات المعروفة .

وتبدو الوراثة أو العائلية في مجلس الشعب أكثر ظهوراً حتى أن معظم المقاعد النيابية تكاد تكون محجوزة لعائلات بعينها ، وهناك وجوه عديدة دخلت البرلمان اعتمادا علي أسماء وشعبية آبائها . لكن حظوظ بعض الأبناء لم تكن مثل حظوظ الآباء ومع ذلك الفشل لم يمنعهم من تكرار التجربة فالمقاعد النيابية في ذهن الكثيرين مازالت حكرا علي عائلات بعينها.

ومن السياسة إلى المال والاقتصاد حيث تلمع أسماء عدد كبير من العائلات بعضها يضرب بجذوره في تاريخ الاقتصاد المصري والبعض الآخر بدأ ظهور في مطلع السبعينيات .

مقولة ” كله بالحب ” .. كانت وراء كثير من جرائم الفساد ، فلم يعد الحديث عن ملايين أو مليارات كلفة الفساد في المحروسة بمستغرب عن الشارع الذي اعتاد مثل هذه الأخبار ليل نهار، وباتت أخبار القبض على وقائع فساد ورد يومي تطالعنا به الصحف والمواقع الإخبارية كل صباح، فبالكاد لم تكن هناك مؤسسة أو كيان داخل مصر إلا وشابهه تهم الفساد أيا كانت صوره.

ورغم الجهود المبذولة لمكافحة هذا السرطان الذي نخر عظم الدولة والقوانين المبذولة في هذا الإطار، سقط خلالها رموز سياسية وقضائية وإعلامية، إلا أن الواقع يشير إلى آفاق أخرى أكثر تشويها للصورة، حيث تنتشر الجرائم بصورة كبيرة، وهو ما دفع الكثير للتساؤل : متى يتوقف نزيف الفساد في مصر؟

خلال الأعوام الأخيرة على وجه التحديد، لاسيما في الفترة من 2015 – 2018 تراوح تقييم مصر في مؤشر الفساد العالمي بين 32 و36 نقطة من أصل 100 في المؤشر، بترتيب هو 105 من أصل 180 دولة عام 2018، وذلك بحسب نتائج التقرير الصادر عن منظمة الشفافية العالمية التي ترى أن الأخطار التي تواجه ديمقراطية العالم تتزايد يومًا تلو الأخر.
ويتميز الفساد في مصر بنظامه الشبكي، حيث يرتبط بعدة عناصر في سلطات مختلفة، تكون فيما بينها شبكات صعب الفصل بينها، وتتكون تلك الشبكات عادة من أفراد من قلب السلطة وجهازها الإداري، هذا بخلاف نخبة من رجال الأعمال الذي يتم اختيارهم بشكل دقيق، وذلك حسبما أشار الكاتب الصحفي ياسر ثابت في كتابه المعنون بـ “باشوات وأوباش: التاريخ السري للفساد”
الكتاب الصادر في 2016 كشف أن هناك جرائم عدة انضوت تحت مصطلح الفساد في مصر، مثل الرشوة والاختلاس والمحسوبية والابتزاز والتهرب الضريبي والمحاباة واستغلال الوظيفة وتعارض المصالح وحجب أو إفشاء الأسرار الاقتصادية بغير الطرق المشروعة، وغير ذلك من صور استغلال السلطة أو الوظيفة للحصول على مكاسب خاصة.
وأضاف أنه بين الحين والأخر تتطور أشكال الفساد، بعضها يكون في صورة معقدة وذكية، وهنا يتساءل مؤلف الكتاب “الكل يتحدث عن الفساد، فمن يرتكبه إذا؟”، ليجيب عن نفسه منوهًا إلى أن “الفساد يتدرج من الصغير الذي نلمسه في دهاليز الجهازين البيروقراطي والأمني وساحات التعليم والصحة، وصولا إلى العمليات الاقتصادية الضخمة التي تقدر قيمتها بالمليارات، وبالتتابع يتزايد حجمه، وتتسع دائرته، وتتشابك حلقاته، وتترابط آلياته”

وقد رصد التقرير السنوي لمؤسسة “شركاء من أجل الشفافية ” إحدى منظمات المجتمع المدني المعنية بالفساد والصادر في يناير 2017  حجم الفساد المنتشر مصر ، قرابة 968 واقعة فساد خلال عام 2016، جاءت وزارة التموين على قائمة الجهات الأكثر فسادًا بــ200 واقعة فساد تليها المحليات بــ115 ثم الزراعة بــ99 والصحة بــ95 والتربية والتعليم بــ58 والاستثمار بــ32 والاتصالات بــ31 وتوزعت باقي قضايا ووقائع الفساد على وزارات وقطاعات حكومية أخرى.
وجغرافيًا، احتلت محافظة القاهرة المرتبة الأولى بواقع 257 واقعة فساد وتلتها محافظة الجيزة بــ116 واقعة والقليوبية بــ60 والإسكندرية بــ51 واقعة فيما كانت محافظة جنوب سيناء هي الأقل من حيث وقائع الفساد بواقعتين فقط، فيما تأرجحت المحافظات الأخرى بين 50- 20 حالة.
ومن الناحية النوعية جاءت جرائم الرشوة واختلاق المال العالم في مقدمة جرائم الفساد الأكثر انتشارًا، فعلى سبيل المثال شهد الربع الأخير من 2016 والنصف الأول من 2017 عددًا من جرائم الرشوة لم تشهده البلاد منذ سنوات طويلة، حيث تم ضبط عدد كبير من المسئولين وكبار رجالات الدولة في وضعية تلبس برشوة تتراوح قيمتها ما بين 11 مليون جنيه إلى 100 مليون.

العقود الماضية شهدت ثورة تشريعية كبيرة في قوانين مكافحة الفساد، كما تعددت جهات المحاسبة والمكافحة، فظهرت على الساحة هيئة الرقابة الإدارية كبديل عملي للجهاز المركزي للمحاسبات الذي تقلص دوره بصورة كبيرة بعد حبس رئيسه الأسبق، وبصرف النظر عن تعمد تراجع دوره من عدمه في مقابل تلميع الجهة الرقابية الأخرى فإن الواقع يشير إلى جهود ملموسة بذلتها هيئة الرقابة الإدارية.
وخلال الأعوام الماضية سقط العديد من كبار المسئولين في فخ الجهات الرقابية، من أبرزهم وزير الزراعة السابق صلاح هلال بعد استقالته في سبتمبر 2015، كما اطيح بوزير التموين السابق خالد حنفي، على خلفية اتهامات بإهدار المال العام وفضيحة فساد القمح، وقُبض على أمين عام مجلس الدولة وائل شلبي، وانتحاره في ظروف غامضة في أواخر 2016 وأوائل 2017.
لكن هنا يبقى السؤال: هل أزمة مصر في مكافحة الفساد أزمة قوانين وتشريعات، تعليقا على مطالبات البعض بتعزيز الدور الرقابي بمزيد من التشريعات، وهنا يجيب أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، البرلماني عصام الفقي، في تصريحات صحفية له قال فيها إن: “أزمة الفساد الحقيقية في مصر لا تتعلق بالقوانين، إذ إن قوانين مكافحة الفساد الحالية في الدستور قادرة على الردع بصورة كافية، لكن الأزمة تتعلق بعدم وجود آلية لتطبيق هذه القوانين وتنفيذها على الجميع دون استثناءات”.
وأضاف الفقي أن الفساد في بلاده بالمليارات، لافتا إلى أن “الموظف والمسؤول في الدولة إن علم أنه إذا سرق فسوف يحاسب أيًا كان منصبه أو نفوذه فسوف تنحسر هذه الظاهرة بصورة كبيرة لكن حين يستقر في يقينه أنه إن سرق فلا حساب فهنا سيصبح المال العام مباحًا للجميع”، مختتمًا حديثه بأن “الحكومة لا تقوى إلا على الضعفاء وفقط أما الكبار فلا تبالي بمحاسبتهم”.

لماذا .. لأن .. كله بالحب !!

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.