مختارات
الرئيسية / وجهات نظر / خالد دياب يكتب :تبا ايها الوطن
خالد دياب
خالد دياب

خالد دياب يكتب :تبا ايها الوطن

استيقظت من نومى متاخرا على غير عادتى لاذهب الى معهد الاورام الذى اذهب اليه فى الفترة الاخيرة بشكل يومى لتلقى العلاج الاشعاعى بعد اصابتى بورم خبيث فى البلعوم الانفى

ونتج عن ذلك اننى لم الحق بفترتى وكان على الانتظار لبدء الفترة الثانية وكان امامى من الوقت ساعتين لانتظرهم

فخرجت لتناول وجبة الافطار ظللت ابحث عن مطعم قريب من المعهد فلم اجد ، فذهبت باتجاه القصر العينى الفرنساوى ، ويا ليتنى لم اذهب الى هناك ،

لمن لا يعلم فهذا الطريق ملئ بالمستشفيات الحكومية ، والخاصة ، بعد المعهد بقليلا وجدت شخصا ملقى غارقا فى دمائه ، وكم كبير من الاشخاص ينظرون اليه فى لا مبالاة ،

وعند السؤال ، تأتى اليك الاجابة المعهودة ، تلاقيه ضارب برشمتين ومقطع فى نفسه

انا : طب ما تدخلوه المستشفى ، حد يعالجه او يلحقه

شخص : ومين هيضمنه يا استاذ ، اساسا المستشفى مقبلتهوش هنعمله ايه

انا : يعنى ايه المستشفى مقبلتهوش ، ده كدة شوية كمان ويموت

شخص : هنعمل ايه يعنى ، دول عالم بتوع برشام ، يضرب البرشامة ويمسك موس ويقطع فى نفسه

نظرت الى ذلك الشاب الملقى على الارض وهو غارقا فى دمائه ، متسائلا اى حال قد اوصله الى ذلك ، لماذا يقوم شخص بفعل ذلك بنفسه ،  لم يسعنى ان افعل له شيئا فتركته وذهبت لتناول الفطار

وعند مرورى امام كلية الصيدلة ، وجدت سيدة تجلس على الرصيف تبكى وهى تحمل طفلتها على يديها طفل تبلغ من العمر حوالى اثنى عشر عاما ، فمررت عليها مرور الكرام ، وذهبت لتناول وجبة الافطار

وفى طريق العودة وجدت السيدة لاذالت تبكى ’ رق قلبى لها ، فذهبت اليها

انا : مالك يا ماما بتعيطى ليه ،

السيدة : عايزة اروح العباسية ، بس مش معايا فلوس

انا : طب وبنتك مالها شكلها تعبان

السيدة : تتنهد ” حسبى الله ونعم الوكيل ، طالبين منى اشاعة مقطعية ب 200 جنيه وانا معيش ، اعمل ايه بس “

انا : طيب انتى عايزة ايه دلوقتى

السيدة : عايزة اروح بس ، مش عايزة حاجة غير كدة

فعلت معها ما يمليه عليا ضميرى بدون الخوض فيما فعلت وركبت تلك الام المغلوبة على امرها التاكسى و اخرج رجل كبير رائسه من التاكسى ” ربنا يباركلك يا بنى “

نظرت اليه ثم انحنت رائسى باتجاه الارض متفكرا بحال تلك السيدة ، نظرت اليها وعرفت ان المادة هى اقذر شئ يمكن للانسان امتلاكه ، ان المادة هى الوسيلة الوحيدة لحياة الانسان فى هذا الوطن

هذا الوطن المنكوب على اية حال ،

وطن فقط يبحث عن الصراع السياسى ، وعن المناصب وعن التفاهات ولا يلتفت الى ابنائه ،

وبعد ذلك يطلبون من ذلك الجيل ان يكون لديه انتماء لهذا الوطن ، هذا الوطن الذى يموت فيه الانسان مقابل  200 جنيه او اقل من ذلك بكثير ،

او لانه ” ضارب برشام ” الم يتسائل المسئولون فى تلك المستشفيات لماذا قام هذا الشاب بفعتله ، اى جرم قد ارتكبه المجتمع ضده ، وباى وسيلة قد وصل الى ما وصل اليه

الم يتسائل المسئولون بداخل المستشفى عن تلك السيدة التى لا تمتلك قوت يومها ولا حتى اجرة المواصلات لتذهب الى منزلها امنة ، حتى ترى ابنتها تموت امام عينيها وهى لا تستطيع فعل شئ

اى مجتمع متخلف نحيا فيه ، اى مجتمع لا يقدس الروح الانسانية ، ولا يقدر معنى الانسان ، اى وطن يريدونا ان ننتمى اليه ، ننتمى الى فكره القذر ، المنحط

ان كان علينا الاصلاح يا سادة فعلينا اصلاح انفسنا ، ان ننظر الى من يعيشون وهم اموات ، ننظر الى تلك الوجوه العابثة التى طالما عانت وستعانى ، من مجتمعنا الفاشى

ان كان علينا ان نثور ، فعلينا ان نثور من اجل هؤلاء ، لا من اجل حياة الطرف ،

حتى انا وفى حالتى المرضية ، ان لم اعرف صدفة معهد الاورام ، ولاننى اعلم انه يمول من جهات عديدة ومن دول عديدة ولا يخفى علينا انه اصبح مرض العصر

هل كنت ساستطيع تحمل نفقات العلاج خارج المعهد ، هل كنت ساستطيع ان اتقبل هذا المرض بما لا يتحمله انسان

لا انفى ان يد الخير لا تنقطع ، ولكن يد الخير لا تصل الى من يحتاجها مباشرة ، وجب على يا سادة ان اكتب مقالى كى تفيقوا من وهم الحياة

وجب على ان اكون صريحا اكثر من اى وقتا مضى ، اذا ظل حال هذا الوطن على هذا المنوال سنضيع ،

ومقولة انها اياما سوداء هى فى الحقيقة اكثر الحقائق الهاما فى ذلك الوقت

ورغم ذلك ورغم كل ما فات ، لم استطيع ان امحو حب ذلك الوطن من داخلى ربما لانه غريزة ، كالامومة

لا يمكن نكرانها حتى وان شئت ذلك

افيقوا اكرمكم الله ، جاهدوا من اجل فقراء هذا الوطن فانهم لا يستحقون كل هذا ، انهم يستحقون حياة كريمة ، حياة على الاقل تشبه حياة الانسان

 

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن خالد دياب

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.