مختارات
الرئيسية / وجهات نظر / ماذا بعد الديموقراطية؟ .. بقلم : عمرو هلال

ماذا بعد الديموقراطية؟ .. بقلم : عمرو هلال


منذ أن خرج العرب من عباءة الخلافة العثمانية وهم يخلطون بين الوسائل والمبادئ، على الأقل على مستوى الخطاب العام، من القومية والاشتراكية أمس، إلى الديموقراطية اليوم. فالديموقراطية هي الحرية والتنمية، والوحدة القومية هي المجد المؤثل، والاشتراكية هي العدالة الاجتماعية. وهذا الخلط أدى إلى ذوبان الحد الفاصل بين المشكلة والحل، بحيث تتطابق الغاية والوسيلة. بل إن الوسيلة أصبحت عقيدة يتقاتل الناس من أجلها. انظر شعارات الثورات العربية، كم وردت كلمة الديموقراطية في صيحات الحشود المتظاهرة؟
تبدو الديموقراطية اليوم الشعار الأكثر تداولا في الرأي العام بحيث تصعب مقاومته نتيجة للخلط بين الحرية والديموقراطية في الخطاب العام. بل إن العديد من المفكرين يخضع لهذا المفهوم دون تمحيص. فمن النادر أن تجد من ينقد الديموقراطية بحثا عن تقويم عيوبها، بل إن البعض يعتبر مشكلات الديموقراطية فاتورة يجب أن يدفعها المجتمع لتحقيق التنمية.
هناك ثلاثة محاور أساسية لمشكلات الديموقراطية. والإخفاقات التي لحقت بتطبيق الديموقراطية في ذلك الإطار لم تأتِ من دول نامية تبحث عن هويتها النظمية، بل من دول بلغت أعلى مستويات التنمية الحضرية، كالولايات المتحدة وبريطانيا. ففي الولايات المتحدة تناقصت ثقة المواطنين في الحكومة الفيدرالية من 70٪ عام 1960 إلى 17٪ عام 2013. الكونجرس الأمريكي ليس أحسن حالا من الحكومة، حيث يحقق نسبة من الثقة-عادة-لا تتجاوز 10٪. الانتماء الحزبي يتناقص بشكل ملحوظ، في مجتمع يعزف ثلاثة أرباعه عن التصويت. في بريطانيا انخفض المنتمون إلى حزب المحافظين رسميا من 3 ملايين عضو في الخمسينيات الميلادية إلى أقل من 150 ألفا. تناقص ثقة الناخبين وعزوفهم عن الانتخاب يعبر عن عجز النظام الديموقراطي في إحداث تغييرات في أداء الحكومة. أداء الحكومات يمر بأزمة تلو الأزمة. ما بين 2001-2012 تضاعفت قيمة السندات الحكومية من 11 تريليون دولار إلى 43 تريليون دولار. الولايات المتحدة لم تحقق فائضا في الميزانية منذ 1960 سوى خمس مرات. فرنسا لم تحقق فائضا منذ منتصف السبعينيات الميلادية. المشاريع التقنية الفاشلة تتصدر القائمة للدلالة على أن النظام الديموقراطي لا يؤدي بالضرورة إلى دولة ناجحة. حيث وصلت نسبة المشاريع التقنية التي فشلت كليا في الحكومة الأمريكية 41٪، ضمن 94٪ من المشاريع التي تجاوزت كلفتها أو تعثر تسليمها في الوقت المخطط له.
لكن هل يعني ذلك كله أن الأنظمة السياسية الأخرى أفضل حالا، ليس بالضرورة. لكن ما تشير إليه هذه الإحصائيات ان النظام الديموقراطي لا يكفل حكما رشيدا. بل إن النظام الديموقراطي بهيئته الحالية يمر بمرحلة مراجعة قد تؤدي إلى ظهور أنظمة أخرى أكثر ملاءمة لمعالجة المشكلات المعاصرة. فالنظام، أي نظام، لابد له من آليات تناسب السياقات التي تعمل في إطارها بما يكفل تلبية متطلبات التنمية المستديمة. بل إن مشكلات النظام الديموقراطي اليوم تشير إلى معنى أكثر عمقا، وهو أن الأنظمة مهما بلغت من تطور لابد أن تستجيب للمتغيرات. والاستجابة للمتغيرات قيمة أساسية في أي نظام، فالفشل الحقيقي للأنظمة هو عدم استجابتها لمؤشرات الأداء أو عدم قدرتها على فهم الواقع.

تعليقات الفيس بوك

تعليقات الفيس بوك

عن ELkebar-admin

مجــلة الكبـــار .. مجــلة اقتصــادية شــهرية تعد ملتقى الخــبراء وقــادة الــرأي في المجــال الاقتصــادي , ونافــذة رجــال الأعمــال والمســتثمرين على المشــروعات الاقتصــادية التي تهدف إلى عــرض ومناقشــة القضــايا الاقتصــادية المصــرية والعربيــة والدوليــة بأســلوب موضــوعي وأمــانة صحفيــة وتقديــم الخدمــات الاســتثمارية والبنــكية والتجــارية لقطــاعات المجتمــع .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.